الخميس، 8 ديسمبر 2011

فارم فيل قصة قصيرة

فارم فيل
البداية كانت مكالمة هاتفية تتذكرها سارة بكل تفاصيلها كان ذلك في اليوم التالي لخطاب الرئيس مبارك العاطفي الذي أثر في جمع ليس قليل من الشعب بدأت بعده الدعوه لإنهاء الإعتصام وإخراج من هم قابعون في التحرير ولكن سارة على عكس الجميع فربما لم تكن معتصمه في التحرير وكانت ممن اكتفوا بالتواجد في مظاهرات يوم 25 يناير فقط ولكن خطاب الرئيس هو الذي دعاها للنزول

سارة كانت فتاه عادية طالبة في سنة الإمتياز بكلية الطب ليست عضوة بحركة سياسية ولا تتبع أي حزب وليس لديها بطاقة إنتخاب بل حتى لا تعلم إسم العضو المنتخب عن دائرتها وخرجت ساره مثل الكثيرين في يوم 25 يناير خرجت رغبة في التواجد رغبه في لفت إنتباه النظام الذي قرر ان يمارس دور الحاكم والمحكوم ويقرر إختيارات شعب بأكمله والنهاية كانت تزوير الإنتخابات التي إعتبرتها تزوير إراده ولم تكن ساره بالشجاعه مثل غيرها وآثرت الرجوع للمنزل وعدم المشاركه في جمعة الغضب خوفاً من التصعيد وتنفيذاً لرغبة أمها ولكن إختلف الأمر بعد خطاب الرئيس الثاني ...

على النقيض شعر الاغلبية بالتعاطف وشعرت هي بالغضب شعروا بالإطمئنان وشعرت بالخوف كيف تتعاطف مع رئيس لم يتعاطف مع هذا الشعب ومع هذا الشباب الذي قتل بدم بارد كيف تطمئن لمن أخرج المساجين والبلطجية لترويع شعبه وربما تقديمه فداءً لكرسيه وكيف تصدق الكذب... كيف تصدقه وهو يقول انه لم يكون ينتوي الترشح مع ان حزبه ورجاله أكدوا قبل ذلك أن الرئيس هو مرشح الحزب !!!!  رجال الحزب من احتفلوا بإنتصار الإنتخابات الزائف وهو على رأسهم يتباهى بنصره ويقول جملته الشهيره على المعارضين ( خليهم يتسلوا) وزوجته وأبناءه يجلسون بمجلس الشعب بمشهد ذكرها بمسلسل الملك فاروق عندما كان يتواجد بالمجلس ومعه العائلة المالكه
 كل تلك الاسباب تجمعت ودفعتها دفعاً نحو الميدان لتتواجد مع المعتصمين لأنها أيقنت أنه يجب أن يرحل

على بعد خطوات من الميدان جاءتها مكالمة هاتفية من إحدى صديقاتها التي أصابتها حاله من الغضب عندما علمت أنها متجهه لميدان التحرير للإعتصام
كلمات وجمل كثيرة خرجت من فم مريم صديقتها عن العند وعن الطلبات التي تحققت..... عن إيران وعن مؤامرة قناة الجزيرة وعن جهل وفقر الشعب وعن الأزمة الإقتصادية العالمية عن البرادعي عن الإخوان وعن أدمن خالد سعيد الإسرائيلي وكانت الجمله الأهم عن هؤلاء الشباب الذي من الأفضل لهم العوده لصفحة الفيس بوك للعب فارم فيل وترك البلد للعمل الجاد

الكلام كثير والرد جاهز والحوار سيطول ظنت مريم أن صمت ساره بسبب حجتها القويه وأنها لا تعرف الرد المناسب لم تعرف مريم أن صمت سارة كان بسبب هذا القطيع الهائج من البغال و الجمال الذي مر أمامها عند مدخل الميدان..

حاله من الهرج والمرج والصراخ جذبها احد الشباب بعيداً عن المعركة ليقذف بها داخل مداخل أحد المباني ويعود للدفاع عن أرضه نعم لقد تحولت لمعركه أرض التحرير أصبحت الغنيمة التي يدافع عنها الشباب بدمائهم وأراد أن يدخلها رجال النظام ببغالهم ........

لا تعرف سارة كم مر من الوقت ولكن انتهت المعركة مؤقتاً واستطاع الشباب وضع الحواجز وحماية الميدان وكان حظها أنها داخل الميدان وليست خارجه خرجت من مخبأها لتجد الكثير من الدماء والطوب نسيت كل شىء حتى هاتفها الذي فقدته بداية المعركة وتذكرت أنها طبيبة وواجبها المساعده ربما إنقاذ حياه!!!!!
وبالفعل استقبلها المعتصمين بترحاب أرشدوها عن مكان خيمة صغيرة للأطباء وبدأت العمل على الفور بالمتاح من الأدوات والمتاح من علمها.

يوم طويل لا ينتهي رأت أمامها الشاب الذي انقذها ودفع بها بعيداً عن المعركه كانت الدماء تسيل على وجهه شعرت بألمه وهى تحاول تنظيف الجرح وخياطة الغرز لم يتذكرها وقبل ان تنتهى لتوجه إليه الشكر سمعت صرخة ممزوجه بالقلق والفرح من سيدة تقف في مدخل الخيمة وهي تقول يوسف يوسف.

أم يوسف هكذا كانوا يطلقون عليها سيدة مصرية بسيطة متواجده في الميدان منذ يوم جمعة الغضب هي وإبنها يوسف هرعت في فزع للإطمئنان عليه وهو ينظر نحوها بإبتسامة ويقبل يدها ويقول
ماتخافيش يا ماما أنا كويس بس عندي صداع ممكن أشرب شاي
بدأ الظلام وقررت سارة المبيت استخدمت هاتف أم يوسف لمحادثة والدتها محاولة طمئنتها واستمعت أم يوسف لصراخ والدتها وابتسمت نحوها بعد أن انهت المكالمه ثم قالت : معلش يا بنتي أعذريها خايفة عليكي
سارة : أنا عاذراها طبعاً بس مش حامشي بعد اللى شفته النهارده واللى سمعته امبارح مش حمشي
أم يوسف : زي يوسف ابني وكل الشباب هنا حماسكم طعمه حلو مش بتحسبوها بخوف زينا أنا سبب وجودي هنا يوسف ماقدرش أسيبه بشوف السؤال في عيون كل اللي حواليا وعينك إنتي كمان انا ست كبيرة مبهدله نفسي هنا ليه
نظرت سارة نحوها بإبتسامه منتظرة إجابة السؤال
أم يوسف: يوسف نزل المظاهرات من يوم 25 يوم الجمعة خفت عليه ومفيش موبايل قلت ليه مش حتنزل أنا حاموت من القلق مش حاقدر صمم وقالي البلد محتاجاني إخواتي محتاجينلي احنا بدأنا سوا وحنكمل سوا قلت خلاص مفيش حل غير إني أنزل معاه إتخانق وإتعصب وإتنطط وحاول يضحك عليا وقالى مش نازل بس مين دماغه الناشفه دى واخدها مني ووصلنا الحمد لله عدت حظنا كان احسن من غيرنا ده في ناس اتبهدلت يا بنتى رصاص بيقولوا عليه مطاطي الناس مضروبه في عينها وبطنها الناس اتبهدلت .......
لمحة من الحزن في وجهها ابتسامه بنجاة إبنها وحزن على من فارق الدنيا وقلق من القادم .

كانت تتحدث بلطف محبوبة من الجميع يلتف حولها الفتيات مستمعين لحديثها العزب لم تكن  أم يوسف ناشطة سياسية ولا خبيرة إقتصادية كانت سيدة مصرية بسيطة تصل لقلبك بأبسط الكلمات شاهد الجميع ليلتها الدموع المتحجرة في عينيها تحاول بجهد ان تمنعها من النزول كلما سمعت إطلاق الرصاص يكاد قلبها ان يقفز من مكانه وينطلق بحثاً عن يوسف وتنهمر الدموع فجأة كشلال من المياه كلما تلمحه أمامها ليقبل يدها ويتركها مسرعاً محاولاً الحماية مع زملاءه . ترى في عينيها الفخر والقلق في آن واحد.
وجاء صباح جديد ولم يخلو اليوم من المناوشات والمعارك مع بلطجية النظام الذين إندسوا تحت مسمى المؤيديين حاله من الحيرة إنتابت البعض هل نحن على خطأ أم صواب هل نعود حقناً للدماء أم نكمل ما بدأناه سؤال جال بخاطر سارة ودت ان تسئله لأم يوسف
سارة : أنا عايزة حضرتك سؤال بعد خطاب مبارك الثاني كان رأيك إيه
إبتسمت أم يوسف وبدأت حديثها بكلام قد يبدو بعيداً عن الإجابه ولكنه كان الحل الأمثل للسؤال
قالت بهدوء : انا إتولدت سنة 52 سنة الثورة بالضبط قبل الثورة بشهر أبويا قال إن وشى حلو كان بيحب عبد الناصر الناس كلها كانت بتحب عبد الناصر حتى بعد النكسة كرهوا الكل كرهوا نفسهم لكن فضلوا يحبوا عبد الناصر تفتكري ليه ؟
نظرت سارة نحوها بعينين حائرتين
أكملت أم يوسف حديثها : علشان الناس كانت بتحس إن عبد الناصر قريب منهم كلامه كان بيأثر فيهم كانوا بيحسوا فيه بالصدق علشان كده كان حماسه بيحركهم وفي 73 انتصر السادات كان عيد والناس فرحت كان عندي 21 سنة شفت دموع الفرحة في عين أبويا السادات الناس ماحبتوش زي عبد الناصر لكن ماكنوش بيكرهوه كان جرىء وكان بيحاول يبقى قريب من الناس لكن دلوقتي كل حاجه مختلفة مبارك بعد عن الناس بقة رمز بيشفوه كل فين وفين من ورا لوح إزاز في ماتش كوره علشان كده أنا متأثرتش بكلامه العاطفي لأنه معدش ينفع فات الأوان هو بعد وإحنا إتغيرنا.
سارة : بس في ناس كثير إتأثرت وبيتظاهروا دلوقتي
أم يوسف : مش حيكملوا يوم واتنين وحيروحوا وبكرة تشوفي

كان المشهد يوم الجمعة مهيباً عمت المظاهرات مصر كلها ولم يكون هناك موضع لقدم في ميدان التحرير كان مشهد صلاة الجمعة رائعاً والمسلمين يصلون في حماية الأقباط لوحة أروع من خيال أي فنان سارة تشعر بالفخر والسعادة لوجودها داخل هذا المشهد الرائع ومع مرور الايام وتقديم التنازلات من النظام الحاكم شعرت سارة بالنصر كانت أم يوسف تقول لهم يوماً بعد يوم النصر قادم فقط إصبروا .....
تتذكر سارة تلك الأيام بتفاصيلها بعضها يمر داخل ذاكرتها كحلم سريع والبعض يمر كفيلم سينمائي محبب لا تمل ولا تكل من مشاهدته مراراً وتكرارً تتذكر يوم الخميس ودموع من حولها بعد خطاب مبارك الثالث حالة متخبطة من الإحباط والإصرار من الهزيمة والعزيمة تحيط بها من كل جانب نظرت نحو أم يوسف تأمل في بارقة أمل كلمة تعيد لها التفاؤل من جديد كانت أم يوسف تنظر لهم جميعاً وهي تقول : إن شاء يا ولاد تعبنا مش حيضيع إن شاء الله قولوا يا رب

في ذلك اليوم رأت سارة أم يوسف وهي تحتضن إبنها لأول مرة تتركه سيتجه إلى مظاهرة أمام قصر الرئاسة نظرت نحوه بعين باكية وهي تكمل نفس جملتها إن شاء الله تعبنا مش حيضيع  تعبك يا يوسف مش حيضيع
إن شاء الله تعبنا مش حيضيع تعبك يابني مش حيضيع
مازالت تلك الكلمات ترن داخل أذن سارة كانت صوت أم يوسف عبارة عن معزوفة تستمع لها طول الوقت كانت تلك المعزوفة تمثل أفضل خلفية لبيان التنحي مع صوت عمر سليمان ووسط كل الصراخ والهتاف والزغاريد والتصفيق والبكاء كان وجه ام يوسف بدموع الفرح قد إختتم المشهد في ذاكرة سارة للأبد.

كل تلك الاحداث تذكرتها سارة وهي تقف وجهاً لوجه أمام مريم صديقتها صاحبة المكالمة التليفونية ودت سارة أن تحكي لها عن يوسف وأمه هذا الشاب الذي انقذها ربما من الموت ولا يتذكر ربما كيف تبدو...... هذه الأم التي كان قلبها يعتصر قلقاً على ولدها في كل لحظة ربما كان من الأفضل لهم الجلوس في المنزل الدافىء وتناول الكيك والشاي وربما يلعب يوسف فارم فيل لتسلية وقته بعيداً عن الدخان والرصاص المطاطي وقنابل المولوتوف ولكنهم كغيرهم تركوا كل هذا ونزلوا من أجل حرية وطن ولكن سارة لم تقول أي شئ من هذا الكلام أرادت ان تبدأ وقالت سارة في إستهزاء ومكر ربما ليس من طبيعتها
سارة : معلش يا مريم الناس هناك طلعوا مابيعرفوش يلعبوا فارم فيل البركة فيكي إنتي بقه
مريم صديقة سارة وجارتها وخريجة كلية الزراعة فهمت مقصدها  إبتسمت وهي تقول : أنا مسافرة إسكندرية بكرة انا وجوزي حنروح نحضر محاضرة لدكتور فاروق الباز يعني جايز بعد كده نلعب فارم فيل بس بجد .
تمت
ملحوظة فارم فيل لعبة لممارسة الزراعة وجمع المحاصيل على الفيس بوك

مروة جمال

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق